من المنطقي أن نجد أنفسنا نعيد نفس تصرفات آبائنا دون وعي، فنطور شخصيات تشبه إلى حد كبير شخصيات من تربينا في كنفهم. لكن لماذا نتصرف مثل آبائنا رغم كل وعودنا بعدم تكرار أخطائهم؟ الإجابة تكمن في ما يُعرف بالسيناريوهات العائلية والأنماط السلوكية الموروثة.
ما هي السيناريوهات العائلية؟
الحياة الأسرية لا تقتصر على التربية والتوجيه فقط، بل هي عملية مستمرة حيث ينقل كل جيل للجيل التالي مجموعة من القواعد والسلوكيات. هذه السيناريوهات توجه تصرفاتنا بدءاً من أبسط التفاصيل اليومية وصولاً إلى القضايا الأعمق مثل طرق التعبير عن المشاعر وإدارة الخلافات.
أنواع السيناريوهات العائلية
1. السيناريوهات التكرارية
هي السلوكيات التي نعيد إنتاجها كما تعلمناها في طفولتنا، إما لأننا وجدناها مناسبة أو بسبب رغبة لا واعية في الإخلاص لآبائنا. هذا النمط يفسر لماذا نتصرف مثل آبائنا دون أن ندري، فنجد أنفسنا نكرر سلوكيات كنا ننتقدها في صغرنا.
2. السيناريوهات التصحيحية
تمثل محاولات واعية لتغيير الأنماط الموروثة، حيث يختار البعض تربية أبنائهم بأساليب مختلفة تماماً أو يبتعدون عن خلفياتهم الأصلية كوسيلة للتحرر من الإرث السلوكي غير المرغوب فيه.
3. السيناريوهات الارتجالية
تنشأ هذه السيناريوهات نتيجة ظروف جديدة أو رغبة في التغيير، حيث لا تشبه ما نشأنا عليه ولا تعارضه مباشرة، بل تبتكر مسارات جديدة تتطلب وعياً عالياً وتحملاً للمخاطر غير المعروفة.
كيف تؤثر هذه السيناريوهات على علاقاتنا؟
عندما يجتمع شريكان في علاقة، يبدأ كل منهما بشكل لا واعي في التفاوض بين السيناريوهات الموروثة التي يحملها. هذا التفاعل قد يولد توترات ناتجة عن اختلاف التوقعات وطرق التعامل، مما يظهر بوضوح سلوكيات مثل الآباء لدى كل طرف.
خطوات عملية لتغيير السيناريوهات العائلية
1. التعرّف على الأنماط:
أنشئ جدولاً بثلاثة أعمدة لرصد السلوكيات التكرارية والتصحيحية والارتجالية في حياتك.
2. التقييم:
حدد أي هذه الأنماط مفيد وأيها يعيق تطورك.
3. النقاش:
شارك ملاحظاتك مع شريك حياتك واتفقا على سلوك واحد على الأقل ترغبان في تغييره.
4. التخطيط:
تخيلوا معاً سيناريوهات جديدة أكثر صحة وناقشوا كيفية تطبيقها.
5. الصبر:
تقبلوا أن التغيير يحتاج وقتاً وأن النكسات جزء طبيعي من رحلة التطور.
الخلاصة: هل يمكن كسر الأنماط المتوارثة؟
نعم، يمكن للتفاحة أن تسقط بعيداً عن الشجرة، ولكن شرط أن تدرك من أي شجرة أتت. كسر الأنماط العائلية لا يعني رفض الماضي، بل فهمه وإعادة صياغته بوعي. يمكنك أن ترث من والديك وأن تنقل لأبنائك الأفضل، مكوناً جسراً بين الماضي والمستقبل يتسم بالمرونة والنمو المستدام.